الأحد، 4 يناير 2009

4 . رأيت الله .. 2



شهر رمضان ..

الفوانيس ..

بائعي الكنافة وقد افترشوا الأرصفة ..

تسمع صوت عبد المطلب وهو يغنّي..

رمضان جانا وفرحنا به بعد غيابه أهلا رمضان ..

صيام وإفطار ..

فوازير وبرامج ..

وفيضان من المسلسلات يندفع في اتجاهك

كاندفاع الماء من شلالات نياجرا ( و التي لم أرها )




رأفت الهجان .. الحلمية .. أرابيسك ..نصف ربيع الآخر .. ضمير أبلة حكمت ..

من الذى لا يحب فاطمة ..لن أعيش في جلباب أبى .. هارون الرشيد ..

أهالينا .. هوانم جاردن سيتي .. امرأة من زمن الحب .. الضوء الشارد ..




يااااااااااااااه ...

سنوات تمر وتمضي ..

شعرنا خلالها بروحانيات جميلة من الترابط الأسري والتجمع العائلي ..

ونفحات لا تجدها إلا في رمضان ..

ولكن يبقى المؤلم للنفس ..

أن كل تلك النفحات الروحية كانت بعيدة كل البعد عن الغذاء الحقيقي

والذي تشتاق إليه النفس !!!

كيف لي أن أرى الله كما كتب الدكتور مصطفى محمود وسط كل هذا الضباب ؟!!!

قرأنا الكثير ..

نعم كنا قارئين بنهم ..

ولكن كما ذكرت سالفا ..

أن تقرأ و تفهم شيء ..

وأن تعيش ما قرأته وتعلمته واقعا ملموسا في حياتك شيئا آخر ..

وينقضي رمضان العام ..

ليأتي رمضان آخر ..

ولا تذكر من هذا الشهر الكريم إلا الكنافة والقطايف ..

إعلام يقتحم حياتك كالمارد ..

فلا ترى في هذا الشهر سوى البرامج الترفيهية ..

وسيل من المسلسلات ..

والتي أجد فيها عملا فنيا رفيع المستوى ..

يحوي في مضمونه فكر راق ..

بل وأداء أرقى من فريق العمل ..

ولكن ..

لماذا ؟؟؟!!!!

لماذا في هذا الشهر الكريم على وجه الخصوص ؟!!

فلو وزعت تلك الأعمال القيمة على مدار العام ..

لتناول المشاهد جرعات معتدلة ..

تضمن له القدرة على استيعاب مضمونها ..

وإدراك الفكر الذي تحتويه !!!!

ولكي أكون منصفا وعادلا في وصف تلك الفترة الزمنية الخطيرة من كل عام ..

فلابد أن أذكر انتظامي في الصلاة على وقتها في هذا الشهر..

فلا يصح الصيام بدون انتظام في الصلاة ..

وكأنها مفروضة فقط في رمضان ..

بل و كنت من أشد المحافظين على قراءة القرآن يوميا ..

وذلك حسب علو أو دنو الهمة ..

صفحتين .. ثلاث صفحات ..

يعني ..

بل ومن إنجازاتي الخطيرة مواظبتي اليومية على صلاة الفجر ..



هل أدركتم مدى التغير الجذري في العبادات خلال هذا الشهر ..

أو دعونا نقول .. ظاهر العبادات

لان العبادات لو استقامت على عقيده سلميه

لتغير العالم بأيدينا


إنجازات غير مسبوقة ..

روحانيات وعبادات وقرأن وتراويح ومسلسلات وبرامج ..


كوكتيل عجيب

تخرج بعده النفوس لتتطاحن وتغتاب وترتشى وتأكل الحرام

ويوميا تنتظرنا عزومة ..

إنها ذروة العبادة والقرب والاجتهاد في الطاعة ..




ـ هات القناة الأولى دلوقتي بدون كلام ..


ـ هات الثانية حوار صريح جدا ..


ـ يا جماعة هاتوا الأولى فيها الكاميرا الخفية ..


ـ هات الأولى ..


ـ هات التانية ..

الأولى ..

التانية ..

الأولى ..


ـ يا خبر أسود .. العشاء بتأذن في القاهرة ..


معانا 4 دقايق نخطف صلاة المغرب ..

قوموا بسرعة ..

يالا ..

....................... ............................



هبطت الطائرة في مطار فرانكفورت

وذلك في تمام السابعة من صباح يوم الخميس

لتخطو أقدامي أولى خطواتها على

الأرض الجرمانية استعدادا لمواجهة كمّ من التحديات المجهولة الأبعاد !!



ـ يا عم إيه الكلام الكبير ده دلوقتي ...

أنت حتخطب !!!!!!!!!!




وهرولت متتبعاً لوحة الإرشادات

حتى أستطيع الوصول لمكان استلام الحقائب !!!

الوقت يمر كالبرق والساعة أصبحت السابعة والربع ..

ولا أعرف لهذا المطار أولاً من آخر ..

فالمطار ،على الرغم من روعة تنظيمه،

إلا أنه مع ضخامته وسباقك أنت شخصيا مع الزمن

يجعلك تتوه في عقر دارك

وليس داخل مطار فرانكفورت أحد أكبر مطارات العالم !!!

ماذا أفعل ؟!!

لابد أن أتحرك لأسأل أيّ إنسان يستطيع مساعدتي ..




ـ لو سمحتِ .. ممكن تقوليلي استلام الشنط لطيارة الإسكندرية منين ؟




ـ تعال معي ..لقد أتيت معك أيضا من الإسكندرية .. الاستلام من هنا ..



كانت سيدة تبدو على ملامحها أنها تخطت الخمسين بقليل ..

و يبدو على هيئتها الترف والثقة في نفس الوقت..

مضيت معها وأنا أنظر في الساعة كل لحظة ..

حيث بدأ مسلسل آخر من مسلسلات رمضان المشوقة ..

ولكن ليس من تأليف أسامة أنور عكاشة وإخراج محمد فاضل..

إنه مسلسل أراد الله تعالى أن يعلمني به ألا أنسى العهد معه في تلك الغربة المجهولة ..

فإما الرجولة المطلقة مع الله تعالى ..

وإما الضياع بلا عوده ..

بدأ الحوار مع تلك السيدة بعد أن أدركتْ إضطرابي الشديد فحدثتني بالإنجليزية

وذلك لعدم قدرتي على تجميع كلماتي بالألمانية في تلك اللحظات العصيبة ..





ـ أنت مالك قلقان كده ليه ؟!!



ـ أصلي لازم آخد الشنطة دلوقتي وأروح بأقصى سرعة على محطة القطار




ـ هو أنت مرتبط بقطار معين ؟!




ـ أيوه .. قطاري الساعة 8 من المحطة ..

ولازم ألحقه عشان عندي امتحان بكرة الصبح ..




ـ أنت مسافر فين ؟!!



ـ جرايفزفالد



ـ بجد !!!! ده أنا كمان مسافرة برلين على نفس الطريق ..

يعنى حنركب نفس القطار سوا .. بس أنا حنزل قبل منك في برلين





حدثتني نفسي بعبارات الطمأنينة ..

حيث وجدت في هذه السيدة العون المنتظر ..

وبشر يمكن الاعتماد عليه !!!!

وبدأت أهدأ قليلا بعد أن ظهرت الحقائب قادمة على حزام الأمتعة ..

كانت معي عربة للحقائب ولكني لاحظت أن السيدة ليس معها عربة ..

فسألتها ربما تحتاج لواحدة فأجابتني بالنفي ..

وما إن أتت الحقائب حتى وجدتها تضع حقيبتها مع حقيبتي على نفس العربة !!!

في البداية لم ألق للأمر بالاً ..

فهي سوف تذهب معي وهو أمر طبيعي ..

ولكنى عندما دفعت بالعربة لكي نذهب وجدتها تخبرني بأنه علينا الانتظار

حيث أن معها أصدقائها على نفس الطائرة من الإسكندرية ..

وهم سوف يسافرون معنا بنفس القطار !!!


وبالفعل أتى اليها أصدقائها بعد مرور بعض الوقت ..

كان مظهرهم طبيعيا ..

ولكن شيئا ما بداخلي بدأ يقلق ..

وبدأت ألاحظ قدوم ثلاثة من ضباط البوليس إلى أحدهم ..

بل وإلى الآخر أيضا ...

وعندما طلبت من السيدة أن نرحل حيث لم يتبق سوى 35 دقيقة فقط ..

أصرت على الانتظار لأن أصدقائها مسافرين معها ولا تستطيع أن تتركهم !!

وبدأت أرتاب في الأمر ..





ـ أنا لازم أمشي .. إتفضلي حضرتك شنطتك .. أنا ماشي




ـ طب استنى .. خلاص أنا جاية معاك




وأدركت أن كل ما تريده هذه السيدة هو أن تضع حقيبتها معي

على نفس العربة لأقودها أنا إلى الخارج ..

تأكدت من هذا الشئ عندما أصرت على مرافقتي وترك أصدقائها

بعد التجمع البوليسي حول اثنين منهم !!!!!!!

وفي أقل من 10 ثواني كنت قد تركت لها حقيبتها

واندفعت بالعربة في اتجاه ضابط الجوازات ..

والسيدة ترجوني الانتظار وتناديني بكل أنواع التوسلات !!!

يا الله ..

ما هذه البداية المرعبة !!!

وما بداخل حقيبة السيدة علمه عند ربي ..

ولكنها الكلمات القديمة في الكتاب النحيف ذي الثلاث جنيهات البائسة ..

لن يساعدك أحد سوى ربك ..

حذار من الاعتماد على البشر ..

حذار من الركون إلى المخلوق ..

نعم ..

حذار كل الحذر ..

وكان الدرس الأول ..

ومن أول لحظة في الغربة ..

ولم أعلم حتى الآن ماذا حدث لتلك السيدة ..

وما الذي كانت تحتويه حقيبتها ..

وتريدني أن أخرج به من الجوازات ..

ربما كميات كبيرة من الدخان أحضروها معهم من مصر

وحاولوا التهرب بها من الجمرك الألماني والذي يحظر ذلك ..

ولكن المهم ..

أنني لم أرها ثانية في القطار ..

نعم لم أرها ثانية ..

ولم أرى غيرها أبداً ..

لأنني بعدها لم أرَ إلا الله ..

أو بمعنى أدقّ ..

تعلمت ألا أرى غير الله ..

وياليتني تعلمته منذ صغرى ..

هنا ..

أجد الحكمة الإلهية تنظر إليّ لتعلمني ..

وتربتُ على كتفي في حنان ..

وتهمس في خاطري ..

لن يستطيع الإنسان أن يرى الله

إلا إذا أراده الله أن يراه ..

في المكان الذي يقدره الله ..

وفي الزمان الذي يشاؤه الله ..






هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم

اخى فى الله محمود

كم هى صادقة مشاعر الإيمان ..
وكم هى عطرة نسمات التوبة والعودة إلى الله ..

إلتهمت عيناى كالعادة ما كتبته فى الخاطرة . ..

لى سؤال يحيرنى منذ أمد طويل ؟ لماذا نحس نحن المصريين بهذا الحنين الجارف إلى بلدنا بالرغم من كل ما نلقاه فيها ؟ .. تعيب علينا بعض الشعوب الأخرى شدة تمسكنا ببلدنا ويقولون ان هذا من اسباب عدم تحقيق اغلبية المصريين لذاتهم فى الغربه ؟ فالمصريون يعرفون ان فى نهاية المطاف هم عائدون عائدون الى مصر وان الغربه مجرد فترة سوف تسقط من ذاكرتهم بمجرد العوده الى مصر ....
حقيقة هذا صحيح تماما لكن لماذا ؟؟ لماذا كانت مصر هى الدولة الوحيدة على مر التاريخ التى هزمت اعتى الغزاة ؟ ليست الهزيمه هنا عسكريه لكن هزيمة كل القيم والمبادىء وحتى اللغة التى فرضت عليها ...

نجحت مصر بامتياز لا يضاهيه شىء فى صهر كل الاجناس على مر التاريخ لتخلق الانسان المصرى والذى فى رايى جمع من كل جنس فضائل .. من الفراعنه اخذ الحكمه والتكيف مع الحياة ومن البطالمه اخذ الفنون ومن الرومان اخذ القوة ومن العرب اخذ الاسلام ويا لها من هدية ومن الترك اخذ عزة النفس .


المصرى خليط من هذا وذاك لكن الشىء الوحيد المؤكد انهم مصريون جمعهم الحب لبلدهم والشوق اليها .

اخى محمود /
اعانك الله على الغربة واعاننا جميعا واعادنا الى بلادنا سالمين .....

كم وحشتنى قريتى فى صعيد مصر ....

تلك الجوهرة التى ترقد فى حضن الجبل الشرقى ...
يفصلها النيل الفيرروزى عن رمال الصحراء الذهبيه

يغمرها سناء القمر فتصير اجمل لوحة ...
تهتف بكل من يراها ....
سبحان الله القدير
................

الباحث عن التوبة
محمد فرغلى ثابت

غير معرف يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أخى الكريم / محمود ..

لقد بدأت أولى خطواتى فى الكتابة فى الأهرام المسائى فى باب عندما يأتى المساء للاستاذ الدكتور محمد اسماعيل على ولكن منذ بدأت فى مرحلة الغربة توقفت كتاباتى تقريباً .

ربما كانت مرحلة عابرة فى حياتى . والذى أعاد فتح هذه الصفحة التى كنت أعتقد انها طويت من حياتى هو انت

نعم ..هذا المكان سببا فى تعديل الكثير من الخطوات فى حياتى ولا ابالغ اذا قلت انك صاحب النصيب الاكبر من هذا الانقلاب الذى تم فى مملكة حياتى .
تلك المملكة التى استعصت على الفتح من قبل العديد من الغزاة لكن انت استسلمت لك هذه المملكة صاغرة ....
بسببك اصبحت اكثر قرباً من الله سبحانه وتعالى وبسببك اصبحت شيئاً جديداً . نسخة معدلة من ذلك الشاب الذى كان يتصور ان الحياة طريق من الورود والزهور ... حياة يملؤها الصدق والإخلاص ... بإختصار إنها المدينة الفاضلة (يوتوبيا ) لكن استيقظ على واقع اليم وهو ان هذه الاخلاقيات تلاشت من مجتمعنا المعاصر ولا يوجد مكان لمن هم يؤمنون بهذه الخرافات .

صدمت كثيرا حين اكتشفت ان الحياة اصبحت مادية لابعد حد لكن .....
بمجرد ما اطلعت على الموضوع لمحت بصيصاً من نور يلوح وراء سحابات الهموم والغربه .. كان هذا البصيص اسمه .........محمود نجم

أخيك الاصغر / محمد فرغلى

غير معرف يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم
أستاذى الفاضل
أجزل الله لك العطاءبمابعثته
فى أنفسنا من نسمات الأمل التى أخمدت فيناسعير اليأس فحقا لازال الخير موجودا
وإن كان مستترا بسحابات المادية والطغيان
لكنها سحابات سوداء مؤقتةلابد لها أن تنجلى
وكم أشتاق أستاذى إلى الغربة لكى أذداد أشتياقا إلى بلدى
فبالرغم من أن حبها يجرى فى عروقى مجرى الدم إلا أننى احس دائما أن هذا الحب لايفيها حقها
فمصر بالنسبة لى كالأم التى أحاول أن أبرها كى أنال الجنة التى تحت قدميهافاحس دائما بالتقصير فى حقها
ومصرلى كأبنة أطمع فى جميع خيرات الدنيا لها فأشعر دوما بالعجز
حفظ الله لنا مصر دائماوأعاننا كى نوفى حقها علينا
وأعانك أستاذى